لعنة الوعي والوعي باللعنة

 


 

مع تحفظي على استعمال كلمة اللعن بمشتقاتها لسبب سيتبين لك آخر المكتوب فإنني مؤمن بما يسمى بلعنة الوعي.

 

ما هي هذه الظاهرة؟ لعنة الوعي يا صديقي الواعي هي الوعي باللعنة؛ وما أقصده هو وعي الإنسان بقصور تأثيره على ما حوله، بل بعجزه عن التحكم بنفسه حتى. يكبر الإنسان وله من الأحلام ما يضاهي سذاجته، ومعافسة الحياة تستبدل سذاجته ببدائل متعددة من السلبية أو الواقعية أو الانهزامية أو غيرها... خلال المرحلة الانتقالية في حياة الإنسان من الطفولة إلى ما بعدها من أطوار ترمي الحياة في وجهه ما يصدمه ويخالف توقعاته عن الحياة وعمن حوله وعن نفسه.

 

أن تكون واعيًا بأن العالم لا يريد لك الخير بالضرورة، وأن كل من تراه يحتمل أن يكون شريرًا لا يكن لبني جلدته إلا الشر، أن تعي أنك إن وجدت نفسك يومًا ما في موطن سلطة لا تساءل عنها قد ترتكب ما تستبشعه اليوم من أفعال، أن تعي أن العالم مملوء بالمظلومين، وأن في منازل جيرانك من القصص ما كنت تظنه أندر من الكبريت الأحمر، أن تعي أن بواطن البشر غالبًا أقبح من ظواهرهم، أن تعي أن بشر تنطبق عليك في جوهرك كل ما تعيه عنهم. أن الخير لا ينتصر دومًا في هذه الدار، وأن ما يصلنا من قصص البطولة ليس إلا القصص الناجحة وإلا فمن حاول البطولة كثر ولكن مآلهم كان إلى الهلاك والنسيان.

 

أزيدك؟ أن تعي أنك عبد مأمور بسلامة القلب قبل الجوارح... أن تعي أن وراءنا سؤال لا يترك صغيرة أو كبيرة، أنك في دار بلاء وامتحان. كيف لمن يعي هذا كله أن يهنأ بالعيش؟ أن تصفو له لحظة؟ الهناء في هذه الدار للبله، وكلما قل وعي الإنسان زاد نعيمه.

 

ولكن في قلب هذه اللعنة تكمن النعمة! وهي مشروب لا يصفو إلا لمن صفي، من لم يتوقف عند إدراكه بصورة الدنيا وحاول الوصول إلى غايتها، أن يدرك ما يحويه وعاء البلاء من نعماء، أن يشرب الصافي المصفى بعد أن تصفّى.

 

كلام غير مرتب تفلت مني ليعيد وصالي بما قاطعته، عله يكون بداية وصل الآخر بالأول، والفرع بالأصل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في الساعة الثالثة والثانية والثلاثين دقيقة صباحًا

وميض

ما أشبه النهايات بالبدايات