دين الديموقراطية
كوّن العالم منذ استقرار صورته الأخيرة بعد الحرب العالمية الثانية سردية معينة أبرز رموزها الديموقراطية -التي وصفها أفلاطون بحكم السوق- المديعة للعدالة والمساواة والقيم الليبرالية.
وتلبية لهذا الإله حديث النشأة أسست الجهات والهيئات والمعاهدات العامة، بل أسس القانون الدولي في آخر تحديثاته المعروفة اليوم، فارتسمت صورة يوتوبية تعد الجميع بحياة أفضل، تحديدا الأفضل الذي توصل إليه نبي العالم الأوحد؛ الغرب.
بشّر هذا النبي مزعوم بهذا الدين الموضوع تحت راية الإله الحادث أجزاء العالم المتخلفة؛ أي تلك التي لم تصلها أنوار الديموقراطية بعد، وكانت صور التبشير متنوعة العنف، منها نزع السلاح لعالم أفضل، ومنها محاربة الأفكار الأصولية المتطرفة، ومنها تقويض التعليم الديني بتدخلات تمس السيادة، وغيرها من الممارسات التي تخالف الدين الجديد إلا أن الضرورات الديموقراطية تبيح الممنوعات القانونية.
ثم كانت المفاجأة أن هذا الدين الجديد عنصري كليا لصالح الرجل الأبيض، وأن غيرها مهما سعى وتطور لن يكون إلا في درجة ثانية أو ثالثة أو حتى مهملة في عين هذا الدين، ورغم ذلك عليه قسرا الرضوخ له والتسليم لأمره ونهيه.
مع مرور السنين تبين أن هذا الدين باطني المنهج، فهو ظاهر للملئ بشعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، ولكن حقيقته وباطنه تمهيد الهيمنة الكلية للرجل الأبيض على العالم، فكل حيدة عن هذه الغاية مرفوضة، وتخرّج على أصل آخر من أصول الديموقراطية لتنتج أخيرا نفس الهدف الباطني.
الإبادة العرقية والتحيز الديني ممنوع، إلا في حال كونه ضد مسلمي أوروبا، فهم وإن كانوا بيضًا إلا أن انتسابهم لغير الهوية السامية وضع درجتهم دون غيرهم من الأوروبيين.
الاعتداء على سيادة الدول ممنوعة، إلا في حال كونها تضر بالسلام العالمي بتطويرها لأسلحة نووية، أو حتى احتمال وقوع ذلك.
القتل الممنهج والتجويع وجرائم الحرب ممنوعة، إلا في حال كونها تحمي حق وجود الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
الخلاصة، الديموقراطية هي سراب يقود به الرجل الأبيض مغفلي العالم، سراب يستدرجهم خطوة بخطوة للتنازل عن هوياتهم، والتسليم لطاعته والانقياد له، ثم يكشف لهم أنهم رغم كل هذه التنازلات ما زالوا في درجة لا تضاهي درجة العرق الديموقراطي الأسمى، وأن الديموقراطية سلاح ضدهم لا معهم في أغلب الأحيان.
تعليقات
إرسال تعليق