أسد أسد لا أسد
الأسد -حاله كحال كل الموجودات- له ماهية يتفرد بها، إذا قيلت لشخص ما لم يخطر بباله غيره، فلا حاجة أن أقف به على كل أسود العالم أسدًا أسدًا أقول له هذا أسد وذلك أسد أما هذه فليس أسدًا.
يكفي أن أقول له حيوان زائر؛ أي الحيوان الذي يتصف أصالة بالقدرة على الزئير، وهذا التعريف كافٍ للعاقل -المدرك معاني الكلام- ليخطر بباله مفهوم كلي ينطبق على كل ما يتصف به.
صحيح صحيح لا صحيح... بهذه الآلية الجزئية يتم التعامل مع المدارس الفكرية والفلسفية الواردة إلينا، فمرة تكون الاشتراكية الحق الذي لا محيد عنه ويكون سيدنا أبا ذر -حاشاه رضوان الله تعالى عنه- أول الاشتراكيين! ومرة تكون الرأسمالية هي الحل، ومرة الديموقراطية وأخرى الحداثة وما بعد الحداثة والخبالة وما بعد الخبالة!
واليوم، ينام المرء رواقيًّا ويستيقظ أبيقوريًا، وما يحل الظهر إلا وهو علموي، وحسب درجة الحرارة قد يتأرجح ما بين الوجودية والعدمية في العصر، وفي نهاية الشهر -يوم ٢٥ على وجه التحديد- الكل يصبح ديموقراطيًا رأسماليًا عتيدًا يشكك في رأسمالية آدم سميث بذاته.
في عالم الشركات يوجد مصطح يسمى بالـ"آد هوك"، وترجمته بالمعنى قريبة من قولنا: حسب الداعي؛ أي أمرًا غير مرتب له يأتي فجأة ويضطرنا للتعامل معه، وهذا المصطلح في الحقيقة يجسد تعاملنا مع الأفكار والفلسفات الجديدة، التي نتعامل مع كل واحد منها على حدة، وغالبا ما تكون هذه العشوائية سببا في اختلاط الأمر، وتأخر اتخاذ الخطوات الجادة.
مثال ذلك: الحركة النسوية المعاصرة، والتي وصلت إلينا بعد تمام نضجها في الغرب، كان ظاهرها الجميل إنصاف المرأة، ورد حقوقها لها، وحمايتها في عالم ساد فيه الرجال فأساؤوا السيادة.
ولكن ما إن تمكنت النسوية حتى خلعت عنها المسكنة، وأظهرت ما أبطنت من غايات ومطالب متطرفة، والحقيقة أن النسوية بريئة من البراءة المصطنعة، فهي -كمثال ينطبق على كثير- لم تتصنع شيئا، بل بادرت بكلها إلينا وظهر منها ما ينبغي أن يظهر أولا بطبيعة الحال.
والذنب كل الذنب على من فتح لها الباب في أول الأمر، وإن كان عذره أنه استجوبها قبل إدخالها ولكن أسئلته كانت الخاطئة، فهو سأل عن أهدافها فأجابت بما أجابت به، وكان ينبغي أن يسألها أولا عن والدها ووالدتها، فوالدها جان بول سارتر ووالدتها سيمون دي بوفوار؛ بمعنى آخر هي سليلة مدرسة طويلة من الحيدة عن العقل إلى المادة، واعتبار المادة هي الأصل ومن ثم فإن التجرية هي طريق المعرفة الأصلي -إن لم يكن الوحيد كما هو في سفسطات المتأخرين-.
ولكن ما علاقة النسب بالفكرة؟ أليس في هذا تقييد بلا داعٍ؟! علاقته هي علاقة الثمرة بالشجرة، فإن الحنظل لن يعطيك تمرًا مهما راعيته، وهكذا الحال هنا، فمن كان سليل المادية لن يخرج عنها، وسيرى العالم بعين آبائه وأجداده، بل سيزيد في التطرف، فالشرخ لا يؤول إلى إلى الصدع.
وليست نظريات السيولة الجندرية إلا نتيجة حتمية لنهج الآباء والأجداد الماديين، والكل يرى نواياه حسنة ومطالبة مستحسنة، ولكن الحُسن ذاته أرض لم تعد مشتركة، فأول السؤال عن النسب لتفهم المُنتسب، فالعرق دساس ظاهر لا محالة.
والعاقل النبيه من يطلب الذاتيات أول ما تقبل، يفحصها ويطيل النظر فيها فهذا مدعاة للوقاية من الزلل، فأوائل الأمور تشي بأواخرها.
تعليقات
إرسال تعليق