كاليبسو: الخلود زوال، والفناء بقاء
في ملحمة الأوديسة، والتي تحكي قصة عودة بطل القصة أوديسيوس إلى موطنه بعد حرب طروادة، ورحلة العودة هذه لا تقل ملحمية عن المعركة ذاتها، في أحد منعطفاتها يتيه البطل في البحر لتقذف به الأمواج الغاضبة إلى جزيرة تقطنها حورية البحر كاليبسو.
كاليبسو عشقت أوديسيوس أيما عشق، وحاولت إغواءه وإغراءه بكل سبيل عرفته طلبا لمكثه عندها ونسيانه رحلته، وعدته بالخلود وحياة لا عناء فيها، ولكنه صمد أمام كل هذه الإغراءات مستحضرا وجهته، العودة إلى الوطن، وأن ما هو فيه ليس سوى محطة لا يجب أن تعطى أكثر من ذلك.
بعد إقامته عندها لسبع سنين عاجزا عن المغادرة واستكمال الرحلة، اقتنعت كاليبسو أخيرا بتدخلات خارجية بضرورة رحيله فساعدته للخروج من الجزيرة.
...
كاليبسو تمثل فتنة الزائلات الحاجبة عن الحقائق الثابتة، تلك الفتنة لا تنكر الحقيقة بالضرورة، بل توهنها وتحجب عنها، وهم حسد الحقيقة فأراد محلها.
تلك الأوهام لا تفرض نفسها فرضا، بل تدعو لمن يجيب لها، ولا تكتفي غالبا بالدعوة مرة واحدة، بل تلح مرة تلو الأخرى، من يدرك الحقيقة ويضعها نصب عينه لن يلتفت عنها، ولن يسمع إغواء الوهم حتى؛ فهو منشغل بسعي دؤوب إلى غاية هو بالغها.
من يؤثر الخلود الوهم ستتكشف له الحقيقة يوما فيرى أن خلوده في الزائل زوال، وفناءه في الباقي بقاء.
تعليقات
إرسال تعليق