تعدد الأنوات والنفوس
في معرض ضربت له كبود الإبل، وامتطت لبلوغه صهوات الجياد، الكل يفديه بشيء ويقرب له قربانه، ففادٍ بماله وفادٍ بحوله وفادٍ بوقته وفادٍ بصبره.
أقبل رجل تائه وسط الفنون والعلوم، واقف بباب كل منها وقفة متسول يطلب ما يقيم صلبه، حده أعتاب الأبواب، ذلك أنه كلما رأى بابًا ما إن يلجه حتى يفتن بما بعده، ثم من باب إلى آخر يقضي عمره.
وتعدد الأبواب أدى لتعدد المطالب، ولكل مطلب طالب، فكان صديقنا يطلب مطالب الأصحاب، فيوم هو فيلسوف تنويري، ويليه هو متكلم سنّي، ثم سالك صوفي، وعالم اجتماعي، وفقيه حنفي، وباحث منطقي، وأديب تقليدي، ومتخصص تربوي.
...
هل صاحبنا المرآتي مرآتي فعلا؟
يقول مجاوبا في اقتضاب: نعم، ولكن عكس ما تتصور، فلما كان في نفسه شخوص لا أول لها ولا آخر، وكان طبعه التوسع لا التعمق كان له في كل ميدان أصحاب يشيرونه ويستشيرون.
وكما قيل: كل يعرف مقامه فلا يعدوه، وصاحبنا قد عرف مقام نفسه فوجد أنه [=أي مقامه] برزخ بين العلوم، ذو ميلات هنا وهناك، حده أن يرتفع عن الجهل المطلق في العلم.
خير ما يسديه الإنسان لنفسه أن يختار لكل نفس من أنفسه صاحبا، فصاحب يقترح عليه معنى الحياة في العالم الحديث لعبدالله الوهيبي، وآخر يوصي ببحر لا ساحل له لميشيل شودكيفيتس، وثالث بالثلاثية العظمى لرينيه جينو، ومن يقترح شرح التهذيب للخبيصي، وهكذا تتعدد النفوس ويتعدد الصحب وتتعدد الكتب، والكل في الأخير من سراب إلى سراب.
تعليقات
إرسال تعليق