دازْيِن هايدقر
خذ الحكمة من أفواه المجانين، وأي جنون أشد من التشكيك في الوجود ومسلّماته! هذا التشكيك الذي أنتج أضرابًا من الفلسفة التي تتفاوت من تعالي أفلاطون ومنطقية أرسطو وشكّية ديفيد هيوم وتجريبية فرانسيس بيكون وهذيان الأحمق المغفل نيتشه ومراحل التيه والغفلة المعروفة بأطوار الحداثة وما بعدها من بنيوية وتفكيكية وغيرها، والآن وبعد استعراض معارفي الفلسفية الويكيبيدية لنلج في موضوعنا بكل انوجاد.
الدازين هي حالة الوجود المفاجئ والمستمر في سياق ما لا قرار للمرء فيه، وهذا الفصل من الوجود هو ما قرر هايدقر أن يصب تركيزه عليه، ولا شك أن فيه من الفجوات ما فيه، إلا أن النظر في هذه الحالة من تلك الحيثية ينتج معارفًا يجدر بطالب الحكمة الوقوف عندها.
ابتكر هايدجر لفظة دازين والتي ترجمها بعض أهل الصنعة الفلسفية إلى الانوجاد على تصريف انفعال، وهذا لا يتوافق مع فلسفته؛ ذلك أن الانفعال يفترض وجود فاعلٍ ومفعول به، بينما لفظة الدازين بترجماتها تركز على مسألة وعي الإنسان المتجدد بحالته الوجودية في سياقها، بعبارة أخرى حضور وعيه على الدوام.
يرى عمو هايدقر أن جوهر الإنسان ناتج عن سياقه الوجودي، من قرارات وأحداث وموقع مكاني وزماني وغيرها من العوامل التي تساهم في وعي الإنسان من جهة وفي تكوين حقيقته من جهة أخرى؛ فنظرية المعرفة عنده لا تعترف بالحقائق المجردة، وهذا مبحث خالف فيه أهل الصنعة وأرباب الحكمة.
ثم ماذا؟
الموت.
أن تعي وجودك يعني أن تدرك عدمه، أنك ولدت في نقطة ما ثم اكتسبت الوعي بذلك الوجود تدريجيا وما إن تكتسبه حتى يتجلى لك الطرف الآخر من الولادة؛ الموت.
دوام إدراك أن الحياة [=الدنيا، وهذه مني وليست من هايدغر] مجرد ومضة قصيرة محدودة من طرفيها يبرز حقيقة الإنسان وجوهره، مالذي يهم ومالذي لا يهم، كل هذا يظهر جليا وبصورة متطرفة أحيانا عند حضور الموت، الواقف بباب الموت لا يكترث إلا لما يهم وإن كان سخيفًا في أعين الناس*.
الغافل عن سياقات العالم -وفقًا لما يدعيه هيدقر- من حوله لا يخاطب إلا صورة أخرى من نفسه تجسدت أمامه، أما المدرك لها فهو أقرب للفهم والإفهام، فعلاقة الفعل والانفعال مع العالم هي ما يصنع المرء.
وفي هذا الصدد يعتقد هيدجر أن تعلق الإنسان بصورة من صور وجوده يشكل عقبة دون تطوره وتعاليه عن تجاربه السابقة، فالتطور لا يكون إلا بترك طور إلى ما علاه، وتعليق التبدل ينبغي أن يكون على ما يتجدد للمرء من المعارف الخبرات.
وسلامتكم [هذه مني وليست من هايدجغر].
...
*من أراد رؤية تجسيد لما يهم على الحقيقة للمرء دون اكتراث لسخفه فليتابع عظيم القرن؛ هجوم العمالقة، ففيه شرّح الإنسان ليتجلى الإنسان.
تعليقات
إرسال تعليق