الصور والثورة على الإنسانية
أنا - وبالنسبة لرجل يدعي كره الحديث عن النفس فإنني أكثر البدء بـ: أنا - بطبعي لا أحب كثرة الصور، يندر جدا أن أمر بلحظة أشعر فيها بضرورة التقاط صورة لها، إلا ما كان للمشاركة المباشرة، أما التصوير لأجل التخليد فلست من أهله، بل إنني أعتبره ثورية على طبيعة الإنسان، كيف ذلك؟
جُبل الإنسان على النسيان - كما نقل عن حبر الأمة رضي الله عنه -، وطبيعة ذلك أن مخزن الذكريات انتقائي في حفظه، فليس كل مشهد يحظى بنفس الزمان في الذاكرة، ولا كل شعور ارتبط بحدث راسخ كغيره من المشاعر.
تلك الانتقائية غيبية الترتيب هي ما تيسر لذلك المخلوق العاجز خوض غمار الحياة، أن يتجاوز الحدث بنفسه وبذاكرته، ألا يعيش الموقف المؤلم مكررا عليه في ذهنه ألف مرة.
ولولا هذا النسيان لما حصل التجاوز، ولولا التجاوز لما تعددت المشاعر، فالمشغول لا يشغل؛ بمعنى أن من ابتلي بالحزن فالحزن قسمته حتى يهلك، وهذا والله هو الجحيم.
ثم قرر الإنسان كعادته أن يثور على أحكام الطبيعة، ناسيا - أو متناسيا - دور ما يعتريه من عجز في تسهيل الحياة، فاستحدث لنفسه أداة لتخليد الذاكرة، أو على الأقل مظهرها! وهي الصور، أن يطل الإنسان على مشهد - حقه الطبيعي أن يشغل من حياته دقائقا معدودة - متى شاء كيفما شاء، أن يستدعي ما يبعث له الحزن أو الفرح، ذاكرته حاضرة بين يديه يقلب فيها كما شاء.
أما أنا - وكما قلت آنفا، لا أحب الحديث عن نفسي - فإنني تقليدي يفضل ألا يخلد بانتقائية، يكفيني عيش الحدث مرة، وليخلد في الذاكرة ما يخلد دون عناء مني أو تكلف، فعواقب التغيرات وخيمة.
تعليقات
إرسال تعليق