ما أشبه النهايات بالبدايات
بداية الحياة ضعف الطفولة، ونهايتها وهن الشيخوخة، بداية طلب العلم علمٌ بالجهل، ونهايته يقين بالجهل، بداية السلوك حيرة، ونهايته حيرة...
لعل في الأمر إشارة إلى أن الدوران هو أكبر أنماط الوجود، الكل يدور في فلك واحد، وحول هذا الفلك تتعدد الأفلاك بتعدد الناس والأحداث، كل فصل في حيواتنا دورة في فلك ما، للعلاقات أفلاك، وللأفراح أفلاك، وللأتراح أفلاك وهكذا.
العجيب أننا لا نعي تكرر الأمور إلا بعد تعاقب الدورات مرات تلو مرات، ومع ذلك فإننا في بداية كل دورة نعود بأنفسنا حيث بدأنا، إما قلق وتخوف، أو حماس وإقبال، أو حيرة وتخبط، الثابت أننا نرتدي زيًا موحدًا لنستقبل به كل دورة جديدة.
بعد انقضاء فصل من فصول الحياة، أول ما يتبادر للذهن شوق وحنين لما انتهى قبل لحظات، شوق لما ألفته الأنفس وإن كان يسوؤه ما يسوؤه، ثم بعد الشوق -إن كان الفصل السابق جميلا- يغطي عينك سواد مقتم متجسد في تساؤلات من قبيل: هل سأحظى بربع ما حظيت به في ذلك الفصل؟ هل في الوجود شبيه لذلك الفصل؟ كيف سأعيش حياتي بعد انقضاء هذا الفصل؟ وغيرها مما يكدر الخاطر وتتسم به بدايات الدورات الفلكية، ثم ما إن تتفاجأ بأنك قد أصبحت في مطلع دورة جديدة وفصل جديد ظننت أنه لن يتكرر له شبيه.
تذكر البدايات يبعث على تقبل النهايات، ولكنها تبقى مرّة غير مستساغة، وتزداد مرارتها بزيادة حلاوة الدورة، فما كان حلوا فنهايته أمر من العلقم، ولا أقصد به اختتام الدورة بصورة مريرة، بل أن مرارة الأمر تكمن في أنه يختتم.
وكعادة ما يصدر مني، كلام مبعثر لا تنتظم فيه فكرة، مجرد خاطرة عابرة -تقريبا-، وهذه دورة في فلك كتاباتي قد انقضت بحلوها ومرّها.
أنا الان في بداية دورة قد أخُتتمت قبل عام، وكان كما قلت دخلتها بكل قلقي وخوفي ورعبي وأتمنى أن أعيش جمالها حيث أني ذقت مرارة اختها السابقة فاللهم سلم سلم.
ردحذف