بواب بهو العظماء

 

 

برج لا يرى منه إلا قاعدته، ضارب في الأرض كما هو ضارب في السماء، يقال أن قمته في السماء الرابعة حيث الحكمة والعلوم المكنونة والمكشوفة، داخل البرج يكمن مبلغ آمال كل فنان وعالم، فيه أقرب ما وصل إليه البشر من مادة الخلود...

 

بهو العظماء، مكان يودع فيه كل عظيم عظمته في فنه أو علمه، تجد فيه كرم حاتم الطائي، وشجاعة عنترة، وبلاغة جاحظ، ونظر الفخر الرازي، ونظريات آينشتاين، ومقطوعات موزارت، ولوحات دافنشي، والكثير مما حاز الخلود، درجات هذا البهو لا يعرفها على وجه الدقة إلا من دخله، فكلٌّ يدرك بحسبه، ولا يعرف درجات العظمة إلا من ذاق طرفا منها.

 

يسعى الكثير ليودعوا أعمالهم وتاريخهم في ذلك البهو، كي يخلدوا بها وإن بليت أجسادهم وانقضت أعمارهم، العجيب أن أغلب أهل هذا البهو لم يبالوا به يومًا، بل كانوا وراء علومهم وفنونهم حتى حازوا فيه أعلى المراتب، أما من يسعى وراء البهو يندر أن يدخله...

 

بهو العظماء في برج البقاء محاط بأسوار عددها يزداد مع زيادة الغثاء، آخر مرة عدّت أسوارها قبل سبعمئة عام كانت عدّتها أحد عشر سورًا، واليوم لا يعلم عدتها إلا من يجاوزها كلها، وقليل ما هم، في كل سور أبواب عديدة، وعلى كل باب بواب، وقد يتولى البواب أمر أكثر من باب واحد.

 

كاتب هذه الأسطر بواب على عدة أبواب من أقل الأبواب مكانة في أبعد الأسوار عن البرج، أقف هنا منذ سنين، مهمتي ألا أسمح لغير المؤهل أن يجاوز الباب، وشرط التأهل غلبتي في الباب الذي أقف عليه، إن كان باب الكتابة فليشهر قلمه وسأشهر قلمي، وإن كان في العلم فبيننا المناظرة، وإن كان في أي فن أو علم مما أقف على أبوابه فبيننا الدعوى وصحتها.

 

مثلي علم مكانه من تلك الدعاوى فرضي بالحراسة دونها، وأكثر أهل الدعاوى عراة عنها، أما أهلها فتفتح لها الأبواب واحدًا تلو الآخر حتى يبلغوا مكانهم في البهو.

 

كلٌّ يعرف مقامه فلا يعدوه، ولا يرتاح إلا من تجرد عن الدعوى، ولم يغترّ بمدح أو ذم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في الساعة الثالثة والثانية والثلاثين دقيقة صباحًا

مسرحية الحياة في هجوم العمالقة - الجزء الأول

حينما كنا لا نحتاج إلى الذكريات