أرض الشتاء، أم أرض الفناء؟
"لا شيء يؤنس وحشتي هذه إلا قراءة قصص الڤايكنق.
ليس لأجل شجاعتهم، أو بسالتهم على أراضي المعارك... بل لأنهم يكادون يصفون حالنا عندما يتحدثون عن تلك الديار المجهولة المملوءة بالخيرات، تلك الديار التي لا جوع فيها ولا عطش...
تخيل معي الآتي:
نحن في جزر شاحبة، أعداؤنا هم أنفسنا، والأرض والسماء؛ بمعنى آخر: كل شيء حولنا.
نسمع قصصا تحيرنا... عن أرض اكتنفت بالغابات المزدهرة، غابات ليست كغاباتنا الموحشة،التي كل ما فيها يريد قتلك، حتى الهواء! وعن أنهار جارية لا يجمدها الشتاء، وأراضٍ خصباء ترحب بالبذور كترحيب الڤالكيريز بشداء المعارك.
لكن سرعان ما تسأل: أين تلك الأرض؟ فيرد القصَّاص مؤشرا إلى المحيط: هناك، بعد هذا المحيط.
فتعود إلى الواقع، وعيناك محدقتان في أفق المحيط اللا نهائي...
الواقع المرير، حياتنا ليست إلا تجهيزا للشتاء القارص، ثم نضال للعيش إلى آخره... حلقة مفرغة.
تسأل: لماذا أعيش هنا؟ لماذا لا أخوض غمار ذلك البحر باحثا عن أرض الفناء التي فنت فيها المتاعب.
فتأتيك الإجابة من جنس السؤال: الأمل.
نعم! الأمل!
فالأمل اللعين هو الذي يسحبنا تارة تجاه ذلك الحلم، وتارة تجاه هذا الواقع.
فأنت بين النار المشتعلة دفئا وسط الشتاء القاصر، والزوجة التي تسعى وراءها حتى تحصلها، وكوخ صغير تحيط به حياتك، لتسعى بعده وراء قطعان المواشي، والذرية الذين سيحملون اسمك... وقتها لا تفكر في برد الشتاء، أو غارات الأعداء.
ثم تميل بالتفكير تجاه أرض الأحلام، التي لا تشقى فيها لتحصيل مكان قابل للعيش، تلك التي لا شتاء يعصف بالأرواح قبل الأبدان فيها،تلك الأرض التي ترمي سلاحك فيها... فأنت لا تحتاجه...
الذين سمعنا أنهم رحلوا إلى تلك الأرض على أنواع:
بعضهم تنقطع أخباره... فإما أنه قد وصل وتنعم فآثر ألا يعود إلى أرض الشتاء هذه.
وبعضهم يعود ليخبرنا كأنه يهذي عن أرض لا تصفها لغتنا الباردة إلا بالرموز، ويتمتم أحيانا بإله رحيم يحبنا! تخيل! إله يحبنا، لا يريد منا أن نتألم، أو أن نثبت عبوديتنا له بتقديم القرابين من دماء الأعداء وضمائرنا! إله غريب...
وبعضهم يعود... ولكنه يصمت، يعيش بيننا كالشبح، يعود محملا بالأسرار التي تتسرب من خزنتها بأفعاله الفاضلة، أو كلماته النيّرة...
أرض الشتاء التي اكتنفت بالنقم الممزوجة بالنعم، أم أرض الفناء التي لا نقم فيها، ولكنها تقبع بعد شوط طويل من النقم؟!. "
تعليقات
إرسال تعليق