المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, 2025

الطبيعة تكره الفراغ

نتوهم لفرط عشقنا للسلطة والتحكم أننا سادة أنفسنا وحيواتنا، أننا نملكها، على الأقل الجزء اليومي منها، أو لنقل الأجزاء غير الإلهية منها، ما بقي لنا بعد أن أخذ القدر نصيبه، ولكن ما إن يمضي أحدنا ليومه ناسيًا خاتمه أو ساعته أو أي شيء اعتاد ملازمته حتى تجده يشعر بفراغ وقدر من الضياع. لو نظر المنصف فينا إلى حياته لوجدها مقسمة بين كثرة كاثرة، للقهوة نصيبها، ولتلك الأغنية نصيبها، والعطر، والساعة، والخاتم، بل حتى الحمام الدافئ بداية اليوم، لو فقد المرء شيئا منها تأثر يومه بقدر الفراغ الذي تركته. الفراغ... معيار عظيم لأثر الناس فينا، والحقيقة أن الفراق -قاتله الله- يجلّي لنا نصيب الراحلين منّا، هذا أخذ معه السعادة وذاك أخذ الفكر وتلك أخذت القلب. ولعل علة الفراغ هو اندماج أجزاء منا بأصحابنا، وعند الرحيل يلملمون أنفسهم وأجزاءنا المستودعة لديهم ويغادرون مخلفين تلك الفجوات. ما بعد الفراغ: "الطبيعة تكره الفراغ (horror vacui)" عبارة صاغتها السكولائية لتحكي فلسفة أرسطو فيما يتعلق بالفراغ. بعد أن يرحل الراحلون تبدأ رحلة ما بعد الفراغ، والتي بدايتها إدراك الفجوات الهائلة في صرح النفس، سور اقتلع...

مسرحية الحياة في هجوم العمالقة – إرين ضحية وجودية سارتر

    إيرين بين سارتر وكانط: سارتر، الفيلسوف الفرنسي المشهور، مؤسس الوجودية التي ما هي -برأيي- إلا منتج من منتجات العصر لا جديد فيه إلا صياغته، العبارة التي تجسد جوهر فكر سارتر "الوجود يسبق الماهية" تحكي بوضوح المأزق الذي وضع سارتر الإنسان فيه، أنه وجود مجرد من كل معنى وعلى صاحبه أن ينتقي لنفسه تلك الماهية، حرية مرعبة تلقي بأعبائها على الإنسان الضعيف فتقطعه عن كل متسامٍ عالٍ عليه، وحيدًا يُطلب منه صناعة كل شيء وابتكاره. في نفس السياق تكون الأخلاق نتيجة لرغبات الإنسان في جوهرها، فعليه أن يصطنع لنفسه نموذجًا أخلاقيًا بلا أي مثال مسبق، ثم عليه أن يلزم نفسه باتباعه ليكون أخلاقيًا، ولكن، إذا لم يكن هناك أي نموذج مسبق، وكانت الماهية عدمًا حتى يوجدها الإنسان فمعنى ذلك ما قاله هو: "إذا لم يكن الله موجودًا، فلا يمكن أن توجد قيم مطلقة، لأن الإنسان هو من يخلق القيم"، إذن ويل للناس من بعضهم البعض، فلا شيء يمكن أن يكون مطلقًا، لا حق ولا باطل، الكل -حسب جوهر فلسفة سارتر- مباح متاح، ولعل الإلزام الوحيد هو اتساق المرء مع ما "يخلقه" لنفسه. إيرين ييقر، تلك الش...