محراب الروح المتعبة
أيتها الروح المتعبة، حُقّ لك التعب، حقًّا لا يسلب، وكيف يسلب وهو بادٍ في زفراتك المبحوحة، وأناتك المكتومة. ولكن مثل تعبك لا يكفيه الاعتراف به ليزول، أو حتى ليخف، هو تعب وجودي يقض المضاجع ويبعد عن المهاجع. البكاء لا يجدي، فالبكاء متعبٍ، والمتعبُ لا يطلب زيادة تعبه، رغم ذلك فإن المرء تواق أن يخلو في محراب الروح، متأدبا في حضرة التعب، كأنه داخل على شيخه المسن الذي فقد بصره أو كاد، إلا أن بصيرته تتوقد. إن دخلت يلتفت جهتك في بطء متبعها حركة رأس خفيفة، ثم إطراقٌ عنك وصدره يعلو ويدنو بشهيق وزفير يجر أذيال الكون في بسطه وقبضه، متكئا على جدار متهالك، ولكنه مقارنة بجسده العليل سور قلعة مكين. بصيرته تغنيك عن عرض حاجتك وبسط حكايتك، هو سكوت طويل، يستجمع فيه المسن ما بقي له من حيلة لينطق لك برمز تقضي شهورك في حله، ثم تليها سنين في العمل به. يقطع الصمت بالتفاتة منه إليك، محدقا فيك شزرا، هو عليم بما تحمله من أوزار، وبما بطن فيك من خفايا وأسرار، بصوت خفيض وسط أنفاسه الصاخبة، يقول في نفس واحد كأن الموت وراءه: فقر يغنيك خير من غنى يفقرك... وخير منه غنى يغنيك. ثم يصرف بصره عنك ليعيد تحديقه إلى السماء بعين...